وفي السير [للذهبي]: أرسل الأمير [عيسى بن موسى] إلى الإمام [الأعمش] بألف درهم وصحيفة ليكتب له فيها الحديث، فكتب فيها [الأعمش]: بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، ثم أرسل بها إليه، فلما وصلت إلى عيسى رفعها ونظر فيها وقال: يا ابن الفاعلة؛ ظننت أني لا أحسن كتاب الله، فرد عليه [الأعمش] قال: وظننت أني أبيع الحديث. وفي السير [للذهبي] –أيضًا- أنه أوتي [بعبد الرحمن بن عائد] إلى الحجاج، فقال له الحجاج: كيف أصبحت؟ قال: لا كما يريد الله، ولا كما يريد الشيطان، ولا كما أريد، قال: ويحك ما تقول؟ قال: نعم، يريد الله أن أكون عابدًا زاهدًا، وأنا أعلم أني لست كذلك، ويريد الشيطان أن أكون فاسقًا مارقًا، وما أنا بذاك، وأريد أن أكون مخلاًّ في بيتي، آمنا في أهلي، ولم تتركني يا حجاج، فقال الحجاج أدبٌ عراقي، ومولدٌ شامي، وجيراننا إذ كنا بالطائف، خلُّوا عنه، فخلوا عنه.
وفي السير [للذهبي] –أيضًا- أن [سليمان بن عبد الملك] استصغر [أبا العلاء]؛ مولى من موالي [الحجاج]؛ كان هذا مشوهًا ودميمًا، فقال هذا المولى: إنك رأيتني والأمور مدبرة عني، ولو رأيتني وهي مقبلة لاستعظمت ما احتقرت، فقال سليمان قاتلك الله، ما أسدَّ عقلك! أترى الحجاج يهوي بعد في جهنم أم بلغ قعرها؟ يقول سليمان: قال: لا تقل ذاك، فإنه يحشر مع من ولاَّه، والذي ولاَّه [أبو سليمان]، فقال: مثل هذا فليُصْطَنَع. ودخل أعرابي على [سليمان بن عبد الملك] فقال: يا أمير المؤمنين؛ إني مكلِّمك بكلام فاحتمله وإن كرهته؛ فإن وراءه ما تحب إن قبلته، فقال: يا أعرابي -وكان عاقلا- إنا لنجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه، ولا نأمن غشه، فكيف بما نأمن غشه، ونرجو نصحه؟ فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين؛ لقد تكنَّفك رجالا أساءوا الاختيار لأنفسهم، وابتاعوا دنياهم بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك، حرب للآخرة وسلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله؛ فإنهم لم يألوا في الأمانة تضييعًا، وفي الأمة خَسْفًا وعَسْفًا، وأنت مسؤول عما اجترحوا، وليسوا بمسؤولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك؛ فإن أعظم الناس غُبْنًا من باع آخرته بدنيا غيره. فقال سليمان: يا أعرابي أما إنك سللت لسانك وهو أقطع من سيفك، قال: أجل يا أمير المؤمنين، ولكن لك لا عليك، لك لا عليك، والدين النصيحة، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششه، والنصيحة لك لا عليك.